- ندوات إذاعية / ٠09برنامج حياة المسلم - إذاعة حياة إف إم
- /
- ٠3برنامج حياة المسلم 3
مقدمة :
المذيع:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته مستمعينا الكرام ، نحن وإياكم في حلقة جديدة مع فضيلة العلّامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، مرحباً بكم فضيلة شيخنا .
الدكتور محمد راتب :
بارك الله بكم ، ونفع بكم ، وأعلى قدركم .
المذيع :
شيخنا الكريم حب المال ، نريد أن نتحدث عن هذه القضية بين من يرى المال نعمة ، المال بيد العبد الصالح ، والمؤمن القوي في ماله يستطيع أن ينصر دينه أكثر ، وبين من يرى حال الزاهدين أقرب إلى الفقر ، واجعل رزقي كفافاً ، نريد أن نتحدث عن حب المال من ناحية شرعية ونبدأ مع حضرتكم هل الأصل لنا أن نطلب المال والغنى أم أن نطلب الفقر والكفاف ؟
الشهوة هي أحد مقومات حمل الأمانة :
الدكتور محمد راتب :
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا بما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أخي الكريم ؛ سؤال دقيق بارك الله بكم ، ونفع بكم ، الإنسان هو المخلوق الأول لأنه في عالم الأزل قبل حمل الأمانة ، فلما قبل حمل الأمانة أعطاه الله مقومات حمل الأمانة ، أحد هذه المقومات الشهوات- والكلام الدقيق العلمي - لولا الشهوات ما ارتقينا إلى رب الأرض والسماوات ، أي إنسان لا يشتهي شيئاً كيف يصل إلى الله ؟ أما إنسان أودعت فيه شهوات ، هذه الشهوة معينة ، المرأة شهوة ، والمال شهوة ، والطعام شهوة ، وكل شيء فطر على محبته شهوة ، الشهوات كلها بحكمة حكيم عظيم ، استخدامها مئة وثمانين درجة سمح لك بمئة وأربعين ، لا يوجد شهوة أودعت في الإنسان إلا جعل الله لها قناة نظيفة طاهرة تسري خلالها ، لا تصدق شهوة حيادية أودعت في الإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة طاهرة تسري خلالها ، لا يوجد حرمان ، مثلاً الإنسان حريص على سلامة وجوده كإنسان بالطعام والشراب ، هناك مئات الأطعمة لكن لحم الخنزير حرام ، هناك مليون شراب لكن الخمر حرام ، نسبة المحرمات ثلاثة بالألف ، كم نوع فواكه ؟ كم نوع خضار ؟ كم نوع لحوم ؟ الخنزير محرم والخمر محرمة ، نسبة المحرم إلى المحلل واحد بالمئة ألف ، إذا شخص عدو لله يريد أن يشرب الخمر ، خمسون شراباً ، وكل شراب أطيب من الثاني ، خمسون نوعاً من اللحم ، الخضار ، الفواكه ، النساء يجب ألا يزني ، مثنى وثلاث ورباع ، سوف أقول كلمة دقيقة ، ما من شهوة أودعها الله في الإنسان ، ما من هذه من لاستغراق أفراد النوع ، مثلاً دخل معلم إلى الصف ، قال : كل واحد منكم له عندي هدية ، الصف يوجد به خمسة وثلاثون طالباً ، الغائبون اثنان ، كم الحاضرين ؟ ثلاثة وثلاثين ، أما إذا قال : ما من طالب في هذا الصف إلا وله هدية ، شمل الغائبين ، هذه من لاستقصاء النوع ، أي ما من شهوة أودعت في الإنسان إلا جعل الله لها قناة نظيفة طاهرة مسعدة مقربة إلى الله ، كلام دقيق جداً .
المذيع :
شيخنا حب المال منها ؟
جهاد النفس والهوى أرقى أنواع الجهاد :
الدكتور محمد راتب :
منها المال قوة يا أخي ، أنت عفواً لو أردت أن تتقرب إلى الله المال أساسي ، هناك إنفاق مال ، ودعوة الأغنياء إلى تأسيس ميتم ، تأسيس معهد شرعي ، جمعيات خيرية ، الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق ، والمؤمن القوي ما معنى قوي ؟ قوي بماله ، أو بمنصبه ، أو بعلمه ، إذا كان طريق القوة سالكاً وفق منهج الله يجب أن تكون قوياً ، لأن خيارات القوي في العمل الصالح لا تعد ولا تحصى .
المذيع :
شيخنا في قوله تعالى :
﴿ وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا ﴾
الدكتور محمد راتب :لولا أنكم تحبون المال حباً جماً لا يمكن أن ترتقوا إلى الله بإنفاقكم ، لولا أنكم تحبون المال حباً جماً لا يمكن أن ترتقوا إلى الله .
المذيع :
شيخنا الإنفاق عكس رغبة الإنسان .
الدكتور محمد راتب :
هذا أرقى أنواع الجهاد جهاد النفس والهوى ، جهاد الهوى المال ، تحبه أنفقته .
المذيع :
أن يجاهد بماله ، أن يساعد المحتاجين .
الدكتور محمد راتب :
جهاد بعلمه وبماله وبجسمه .
المذيع :
شيخنا من هذه الآيات الكريمة :
﴿ وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا ﴾
هل أيضاً يستنبط أن حب المال ولد فطرة مع الإنسان ؟ممارسة الشهوات ضمن منهج الله :
الدكتور محمد راتب :
أبداً ، لولا أن الله أودع فينا الشهوات ، أودع فينا حب المال ، أودع فينا حب النساء ، أودع فينا حب العلو في الأرض ، لولا أن الله أودع فينا الشهوات والله ثم والله ثم والله ما ارتقينا إلى رب الأرض والسماوات .
المذيع :
شيخنا الكريم في قول النبي صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ هَذَا المَالَ خضرة حُلْوَةٌ ، مَنْ أَخَذَهُ بِحَقِّهِ ، وَوَضَعَهُ فِي حَقِّهِ ، فَنِعْمَ المَعُونَةُ هُوَ ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ كَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ "
الدكتور محمد راتب :
أي شهوة أودعت في الإنسان لك أن تمارسها بحق الله ، بمنهج الله ، بتعليمات رسول الله ، ولك أن تترك هذه التعليمات وأن تمارسها اعتباطاً .
المذيع :
شيخنا ما الأفضل أن يدعو الإنسان ربه أن يزيده من المال أم أن يزيده من الفقر ؟
التعليم أعظم عمل صالح :
الدكتور محمد راتب :
موضوع أن يزيده فقراً غير وارد إطلاقاً ، أنا هذا اجتهادي ، إلا بحالة إذا إنسان لا يوجد عنده إرادة قوية إذا أصبح غنياً ، قد يكون الفقر لهذا أفضل إلى سلامته بالآخرة ، إن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر فإذا أغنيته أفسدت عليه دينه ، وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فإذا أفقرته أفسدت عليه دينه ، هناك إنسان يفسق إن امتلك المال ، وإنسان يزداد عمله الصالح إن امتلك المال ، يعمل معاهد شرعية ، يعمل مؤسسات رعاية أيتام ، يدعو إلى الله ، أعرف شخصاً أرسل إلى الغرب – هو غني كبير جداً - عدداً كبيراً من الشباب ليحضروا دكتوراه، عادوا مدرسي جامعات ، هناك أعمال مستمرة ، وهناك عمل ينتهي ، أنت أطعمت إنساناً طعاماً بعد ساعة يجوع ، ألبسته ثوباً بعد فصل من الفصول يهترئ ، أما إذا أنت علمته ، أعظم عمل صالح هو التعليم ، لأن النبي الكريم قال :
(( وإنما بعثت معلماً ))
لخص حياته كلها بالتعليم :(( إنما بُعِثتُ لأُتَمِّمَ حُسْنَ الأخلاقِ ))
تعليم وتربية .المذيع :
شيخنا لماذا تكتمل في ذاكرتنا أن المسلم أو المتدين هو دائماً أقرب إلى الفقر ؟
طريق القوة يتناسب مع هدف الإنسان في الحياة إذا كان وفق منهج الله :
الدكتور محمد راتب :
هذا أكبر خطأ ، تلتقي مع أغنياء مؤمنين والله تشتهي الغنى منهم ، من تواضعهم ، من إنفاقهم ، من بذلهم ، من عطائهم ، إذا كان طريق الغنى من القوة ، والعلم من القوة ، والمنصب الرفيع من القوة ، إذا كان طريق القوة سالكاً وفق منهج الله يجب أن تكون قوياً ، لأنه يتناسب مع هدفك في الحياة .
المذيع :
شيخنا الكريم حديثنا عن حب المال وضحتم أن حب المال من الأشياء الفطرية التي جبل الإنسان عليها .
الدكتور محمد راتب :
والشهوات حيادية تكون قوة ترقى بها أو دركات تهوي بها .
المذيع :
وأن الإنسان لا يؤجر على المال إلا لأنه يحبه فيجاهد النفس عند إنفاقه ، شيخنا الحديث : قد أفلح من أسلم ورزق كفافاً وقنعه الله بما آتاه . ما معنى كفافاً ؟
الكفاف يغطي الحاجات كلها حتى الثانوية منها :
الدكتور محمد راتب :
الكفاف لا يعني أنه فقير فقط ، يعني أنه يغطي كل حاجاته حتى الثانوية ، لكن لا يوجد ملايين مملينة ، مليارات ممليرة ، خذ من الدنيا ما شئت وخذ بقدرها هماً ، ومن أخذ من الدنيا فوق ما يكفيه أخذ من حتفه وهو لا يشعر .
شخص اشترى فندقاً بباريس من ثمانين طابقاً ، دائماً ممتلئ مئة بالمئة ، في اليوم الثاني صار إشكال بنقل الملكية له ، مات بجلطة وانتهى ، أحياناً الإنسان يضع كل أمله في الدنيا ، فأي خطأ طارئ ينهي حياته ، أما إذا الإنسان نقل اهتمامه للآخرة فيعيش في الدنيا أسعد إنسان .
المذيع :
شيخنا كيف نفسر الرزق الكفاف ؟
الدكتور محمد راتب :
الكفاف لا تعني أنه فقير ، عنده مال يغطي كل حاجاته .
المذيع :
شيخنا ألا يسعى للادخار ؟
ضرورة الادخار :
الدكتور محمد راتب :
نعم ، الادخار مع الحاجات ، لابد من مبلغ مدخر لشيء طارئ في البيت ، أو الإصابة بأزمة قلبية ، في المستشفى يريدون ألف دينار ، لابد من مبلغ احتياط ، هذا ضمن الإنفاق المعتدل ، كل إنسان لا يوجد عنده احتياطي عنده إشكال كبير .
المذيع :
شيخنا إنسان يسعى بالعمل بحيث يلبي كل احتياجاته ، ويزيد عليها ادخاراً للطوارئ .
الدكتور محمد راتب :
هنا نقطة دقيقة ؛ المال يجب أن يكون أكثر من إنفاقك في وقت لا تستطيع أن تعمل ، الإنسان بسن معينة لا يستطيع العمل يأتيه معاش قليل جداً تقاعدي فلابد من مبلغ يدعم دخله القليل بعد سن معينة .
المذيع :
يغطي احتياجاته واحتياجات أولاده ، إذ يحتاجون سكناً لكن ما يفيض عند بعض الناس عشرات الملايين .
المال أكبر قوة للعمل الصالح :
الدكتور محمد راتب :
الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق ، المال أكبر قوة للعمل الصالح ، اعمل ميتماً، مستشفى ، ترسل طلاباً يدرسون عندهم إيمان قوي يرجعون دعاة إلى الله ، الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق .
المذيع :
شيخنا بارك الله بك ، معنا اتصال حبيب تفضل ..
المال يتشرف به الإنسان فكيف يعيش بين التشريف والتكليف ؟
الجمع بين التشريف والتكليف في إنفاق المال :
الدكتور محمد راتب :
أن يجمع بينهما بحكمة بالغة ، الذي عنده أولاد يحتاجون إلى طعام يكون مقبولاً بشكل جيد ، وإلى لباس وغرفة نوم ، عنده حاجات ، ما دام الإنفاق بالحاجات حلال مئة بالمئة ، أما إنفاق بالمعصية فهنا المشكلة .
المذيع :
شيخنا نعود إلى فكرة الكفاف ، دعوة النبي أن يجعل آل محمد كفافاً .
الكسب والرزق :
الدكتور محمد راتب :
لا تعني أنه فقير إطلاقاً ، عندك دخل يغطي كل حاجاتك ، الكفاف لا يعني الفقر ، عندك كل ما يغطي كل حاجاتك ، أما بيل غيتس يملك ثلاثة وتسعين ملياراً ، هذا الرقم على فراش الموت ماذا قال ؟ لا يعني لي شيئاً ، الآن أنت دفعتني إلى بحث موضوع الرزق والكسب ، الرزق ما انتفعت به ، ما أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت ، أو تصدقت فأبقيت ، هذا الرزق ، أي شيء انتفعت به هو رزق ، أكلت الطعام رزق ، لبست الثياب رزق ، الآن أكلت فأفنيت ، لبست فأبليت ، وقفة متأنية ، البند الأول والثاني ليس لهما أثر مستقبلي إطلاقاً ، أي إذا شخص أكل طعاماً نفيساً جداً ، وبعد يومين أحسّ بألم في أسنانه لا يحتمل ، لو تذكر الطعام النفيس يلغى الألم ؟ لذة آنية ، أما تصدقت فأبقيت ، هذا يذهب إلى الآخرة ، العمل الصالح وقود الآخرة ، حجمك عند الله بحجم عملك الصالح ، العمل الصالح سر وجودك ، غاية وجودك ، سمي صالحاً لأنه يصلح للعرض على الله ، ومتى يصلح ؟ إذا كان خالصاً وصواباً ، فالإنسان عندما ينسى علة وجوده ، ما قولك شخص أرسل ابنه إلى فرنسا ليحضر شهادة من السوربون ، هذا وجد مدينة عملاقة جميلة جداً ، وقته كله من ملهى إلى ملهى ، من دار سينما إلى سينما ، من مكان إلى مكان ، نسي علة وجوده ، علة وجودنا العبادة ، اشتغل واكسب مالاً ، وتزوج ، وأنجب أولاداً ، وربّهم ، واعمل ولائم ، لا يوجد مانع ، لكن أنت مخلوق للعبادة ، بيتك إسلامي ، دخلك إسلامي ، إنفاقك إسلامي ، لقاءاتك إسلامية ، حرفتك إسلامية ، لا يوجد ملهى ، الحرفة إسلامية ، والعلاقة إسلامية ، والسهرة إسلامية ، الإسلام واسع جداً يبدأ من فراش الزوجية إلى العلاقات الدولية ، منهج تفصيلي ، فيه حلال وحرام ، فيه قرب من الله وبعد عن الله .
المذيع :
شيخنا لكن أحياناً يفهم الإنسان اللهم اجعل قوت آل محمد ...
عظمة الدين أنه يجعلك تتحرك بشهواتك وفق منهج الله :
الدكتور محمد راتب :
لا تعني أنه فقير أبداً ، عنده دخل يغطي كل حاجاته .
المذيع :
شيخنا ويدخر إذا مرّت ظروف صعبة على العائلة .
الدكتور محمد راتب :
لكن لا يوجد عنده ملايين مملينة .
المذيع :
شيخنا في قضية حب المال ، أحياناً حب المال يعمي أن يرى الصواب صواباً .
الدكتور محمد راتب :
هذا الدين عظمته أنه يجعل الشهوات تتحرك بها وفق منهج الله ، أنت معك تعليمات الصانع .
المذيع :
بعض يقول : هذا البنك ربوي لكن يسهل عليّ التعاملات التجارية هل نبيح مثل هذه ؟
الاستقامة على أمر الله :
الدكتور محمد راتب :
هنا يمتحن الإنسان بالضبط لو لم يكن هناك محرمات لا يوجد جنة بالأصل ، إذا ألغيت المحرمات ألغيت الجنة ، ما فرق المؤمن عن غير المؤمن ؟ الربا ، أجمل فندق ، أعرف شخصين سافروا إلى ألمانيا اشتروا سيارتين ، بمكان معين في رومانيا نزلوا في فندق ، الساعة الثانية عشرة طرق الباب من بنات الهوى ، واحد فتح الباب والثاني لم يفتح فقط ، الذي فتح الباب خسر محله ، ونزل خطه البياني للصفر ، انتقل من صاحب محل إلى صانع ، والذي لم يفتح صعد إلى القمة ، الله كبير ، شيء دقيق جداً الإنسان عندما يتساهل في أمور الدين يدفع الثمن باهظاً في الدنيا قبل الآخرة ، إذا أردت أن يبارك الله لك في مالك ، في صحتك ، بأهلك ، بأولادك ، ببناتك ، بشبابك ، بدخلك ، استقم على أمر الله :
(( استقيموا ، ولن تحصوا ))
أريد أن أقول كلاماً دقيقاً أعيده ألف مرة : ما من شهوة أودعها الله في إنسان في الأرض إلا وجعل قناة نظيفة طاهرة تسري خلالها ، ليس في الإسلام حرمان لكن يوجد ترشيد ، و تصعيد ، وترقية .المذيع :
شيخنا حينما يشعر الإنسان أن حب المال أصبح يسيطر عليه أكثر من أي قضية أخرى يؤدي الفرائض لكن بدل أن يصلي جماعة في المسجد يصلي مخاطفة في آخر الوقت .
من ابتعد عن الشبهات في إيمانه والشهوات في سلوكه ارتقى عند الله :
الدكتور محمد راتب :
هذه أولى الانزلاقات نحو الدنيا ، دائماً الإنسان تفاعله كل معصية تجر أختها ، أي مخالفة تجر إلى مخالفة أخرى وثالثة ورابعة ، أنت تمشي بطريق على شاطئ بحر ، هذا الشاطئ له ساحلان ؛ ساحل جاف ومستو وساحل مائل وزلق ، أو نهر عميق ، وهذا الذي يمشي لا يحسن السباحة ، إذا مشى على الأرض الجافة المستوية آمن هذا الشرع ، لكن يوجد شاطئ ثان مائل وزلق ، احتمال سقوطه خمسون بالمئة ، هذه الشبهات ، أنا يوجد عندي كلمتان دقيقتان ؛ الشهوات والشبهات ، الشبهات فكرية والشهوات سلوكية ، إذا إنسان تمكن أن يبتعد عن الشبهات في فهمه للدين ، وعن الشهوات في حركته ، نجا ، واحدة فكرية الشبهات ، والثانية سلوكية الشهوات ، إذا ابتعد عن الشبهات في إيمانه والشهوات في سلوكه ارتقى عند الله .
المذيع :
شيخنا الخوف الذي يصيب الإنسان من الأمور المالية فيدفعه لترك التجارة مثلاً يقول : أخشى أن يأتيني مال حرام فيعتزل .
المتاجرة وفق منهج الله :
الدكتور محمد راتب :
لا ، يستطيع أن يتاجر وفق منهج الله ، لا يوجد شيء خلقه الله إلا جعل له قناة نظيفة طاهرة ، المؤمن القوي بماله ، أو بعلمه ، أو بمنصبه خير وأحبّ إلى الله تعالى من المؤمن الضعيف ، النبي جبار خواطر قال : وفي كل خير ، أما قوي تفتح ثانوية ، ميتماً ، مستشفى ، تعلم مئة طالب على حسابك يرجعون علماء ، فالطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق .
المذيع :
الآن شيخنا بعض الأشخاص يكون له فتاوى خاصة به في قضية المال على سبيل المثال قد يكون شركاء اثنان بعقد واضح وشروط واضحة ، يصبح أحدهما يقول : أنا بذلت جهداً أكبر ، وبالتالي من حقي أن أخذ هذا المبلغ من دون أن أعلم شريكي ، يبدأ بالتغير بقناعاته ..
الجهالة تفضي إلى المنازعة :
الدكتور محمد راتب :
أنا أتمنى من أعماق أعماقي ألا تقوم شراكة إلا على عقد تفصيلي واضح ، لأن عندنا قاعدة فقهية : الجهالة تفضي إلى المنازعة ، أي إن لم يكن هناك دوام موضح بالعقد أحدهما لا يأتي بالأصل ، والثاني يداوم دواماً كاملاً ، والربح مناصفة ، الثاني يشعر أنه مظلوم ، الثاني مرتاح في البيت ، يعمل نزهات ، لقاءات ، يسافر ، لا يصح أن يأخذ النصف ، عندنا ربح نصفه للمال و نصفه للجهد ، فإذا شخص بذل جهداً يأخذ النصف ، وبذل مالاً يأخذ النصف ، شخص بذل المال فقط ، وشخص بذل الجهد مناصفة ، أما شخص بذل ماله وجهده وأخذ النصف فلا يصح ، لذلك الجهالة تفضي إلى المنازعة ، عندما يكتب عقداً واضحاً عند محام فيه كل الظروف ، وكل الحقوق ، وكل الواجبات ، وكل المآلات ، لا يوجد مشكلة ، الجهالة تفضي إلى المنازعة .
المذيع :
شيخنا هذه الفتاوى الفردية .
الدكتور محمد راتب :
مرفوضة .
المذيع :
هو لم يؤد كذا أنا حقي أن آخذ .
الدكتور محمد راتب :
الفتوى يجب أن تكون معتمدة من عالم رباني ، أما كل إنسان يفتي لنفسه بالحرام ، يفتي لنفسه بالسرقة دون أن يشعر ، أخطر شيء أن تفتي لنفسك .
المذيع :
تفضل أخي عصام أتمنى من الشيخ أن يدعو لي ..
الدكتور محمد راتب :
الله يحفظ لك إيمانك وأهلك وأولادك ومالك وصحتك ومن حولك ، سوف نضيف واحدة سابعة واستقرار هذه البلاد ، هذه نعمة لا تعرف إلا إذا فقدت .
المذيع :
شيخنا في قضية المال والشبهات أحياناً يشتبه على الإنسان هذا المبلغ لك أم لي ، اتفقنا على سعر عشرة أم أحد عشر ؟
أي اتفاق شفهي كل طرف يفسره لصالحه :
الدكتور محمد راتب :
لأنه غير مكتوب ، أي اتفاق شفهي كل طرف يفسره لصالحه .
المذيع :
شيخنا قد أتصل بمطعم أسأله : كم السعر ؟ يقول لي : كذا ، أقول له : أريد مجموعة اتفقنا على سعر خاص ، يصير خلاف هل الأولى هنا أن أتجنب الشبهة وأدفع المبلغ كاملاً ؟
الدكتور محمد راتب :
طالما صار خلاف شفهي تدفع ما طلب منك إلا إذا رأيت مراوغة مدروسة فهذه مشكلة تقاطعه .
المذيع :
مع محمد اتصال جديد ...
هل يستطيع الإنسان توظيف حب المال من حبه لله عز وجل ؟
المؤمن القوي خير وأحبّ إلى الله من المؤمن الضعيف :
الدكتور محمد راتب :
المؤمن القوي بماله أو بعلمه أو بمنصبه خير وأحب إلى الله تعالى من المؤمن الضعيف ، أنت بالمال تعمل معهداً شرعياً ، مستشفى ، تفتح مؤسسة ، ثانوية ، ميتماً ، مأوى عجزة ، الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق .
المذيع :
شيخنا هذه الفطرة الموجود في كل منا ، حب المال ، قد يذهب البعض في حبه للمال للاستعراض .
الابتعاد عن الاستعراض عند امتلاك المال :
الدكتور محمد راتب :
قبل أن أعطي فكرة أوسع من المال ما من شهوة أودعت في الإنسان إطلاقاً إلا جعل الله لها قناة نظيفة طاهرة تسري خلالها .
المذيع :
شيخنا قد يذهب البعض في حبه للمال للاستعراض ، يمتلك سيارة فارهة كي يسير في الشارع ، يمتلك مسكناً ، هل هنا تحول المال إلى معصية ؟
الدكتور محمد راتب :
طبعاً هذا سلوك خاطئ ، اشترى بيتاً مساحته حوالي أربعمئة وخمسين متراً ، جاءه ضيف فقير تعال لأريك البيت ، شاهد غرفة الضيوف ثمانية بأربعة ، غرفة النوم ، الثريات غالية، هو ماذا يريد من هذا الموضوع ؟ هذا فهمه سقيم أن الإنسان عليه أن يظهر نعمته ، أي نعمة ؟ النعم المشتركة ، أنا ذهبت إلى السويد مدة أسبوعين ، معي كآبة لا يوجد شمس أبداً ، ضباب دائم ، صار معي كآبة ، لم أعرف قيمة الشمس في بلادنا ، هناك نعم لا تعد ولا تحصى ، البطولة أن تعرف نعم الله كي تحبه .
أريد أن أقول كلمة دقيقة وخطيرة : أهل الغرب أهل الدنيا وقفوا عند النعمة وانتهوا فلما جاء الموت وفقدوها انتهوا ، أما أهل الإيمان فانتقلوا من النعمة إلى المنعم فأحبوا الله .
المذيع :
شيخنا كيف يمكن أن نهذب النفس كي تصبح أكثر صدقاً ؟
تهذيب النفس كي تصبح أكثر صدقاً :
الدكتور محمد راتب :
سيدي هذا الهاتف الخلوي يمكن ثمنه مئة ألف ، أما من دون شحن صار قطعة بلاستيك ، فإذا إنسان لم يشحن نفسه بدرس علم ، بقراءة قرآن ، بحضور مجلس علم ، بمتابعة قضية إسلامية ، بحضور خطبة جمعة من خطيب متفوق ، إذا لم يشحن نفسه أصبح آيفون ثمنه مئة ألف ، بلا شحن قطعة بلاستيك ، أموات غير أحياء ، سيدي مع وصف القرآن لمن شرد عن الله ، قال تعالى :
﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾
إذا كان نبضه ثمانين ميت ، وكان ضغطه نظامياً ميت عند الله ، مادام لا يريد الله لا يريد الآخرة ، لا يريد الجنة ، يريد فقط المال ، ينبسط ، هذا ميت ، آية ثانية :﴿ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ﴾
قطعة خشب لا قيمة لها ، قال تعالى :﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ﴾
﴿ كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً ﴾
المذيع :﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ ﴾
شيخنا لماذا بدأ بالمال ثم البنون ؟ لم ؟الحكمة من تقديم المال على البنين :
الدكتور محمد راتب :
لأن المال محبب أكثر ، البنون بلا مال وضع صعب جداً ، عنده اثنا عشر ولداً ولا يوجد عنده دخل ، يموت في اليوم مئة مرة ، يريدون مالاً ، لباساً ، المال والبنون ، قال تعالى :
﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾
الأمن نعمة كبيرة والمال نعمة .المذيع :
الله يفتح عليكم دكتور ، نختم هذه الحلقة بالدعاء ، ونسأل الله تعالى القبول .
الدعاء :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عمن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك ، أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارضَ عنا ، اجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين ، واحقن دماء المسلمين في كل مكان .